أ.م.د صفاء عبد الله برهان
جامعة بغداد/ كلية العلوم الإسلامية
كاد موضوع (الهاشميات في الشعر الأندلسي) ينهي مشواره بعد أشهر من تسجيله أطروحةَ دكتوراه بقسم اللغة العربية في كلية التربية ابن رشد بجامعة بغداد سنة 2007م؛ بسبب شحة مصادره، وقتذاك توجهت إلى الله تعالى أن ييسر أمري، وتوسلت إليه تحت قبة سيدنا الحسين عليه السلام، ومما دعوت عند تلك البقعة المطهَّرة أن يفتح عليَّ وأزور المغرب الأقصى؛ لما يحتويه من كنوز أندلسية، وقامات علمية سامقة في الأدب الأندلسي، ولله الحمد تزامن ذلك مع فتح باب التقديم على البعثات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وقتما كنت أعمل في الدائرة القانونية والإدارية بالوزارة نفسها، فشرعت بمراسلة الدكتور محمد العمري بالمغرب؛ للحصول على دعوة لي ولزميلي طالب الدكتوراه عبد المنعم جبار عبيد الشويلي، فذهب من مدينته المحمدية إلى الرباط، وأحرز ذلك من الدكتور محمد الظريف رئيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية؛ لنذهب إلى السفارة السورية ببغداد؛ لأجل استحصال سمة دخول أراضيها، ومن هناك نذهب إلى سفارة المغرب بدمشق؛ لعدم وجودها ببغداد منذ سنة 2006م إلى وقت كتابة المقال. كنت قد سبقت زميلي الشويلي إلى دمشق، ثم التحق بي بعد أيام، وبعد تشرفنا بزيارة مشهد السيدة زينب بنت امير المؤمنين علي، والسيدة رقية بنت الإمام الحسين سلام الله عليهم أجمعين، دعونا الله تعالى أن يسهل مطلبنا. وفعلا بعدما ذهبنا إلى السفارة المغربية، قام الملحق الثقافي محي الدين أشهبار، بإدخالنا إلى مقر السفارة، أجلسني على جهاز الحاسوب بمكتبه؛ للتأكد من الدعوتين اللتين وصلتا بالبريد الإلكتروني، وعندما أراد منح السمة، اقترح القائم بالأعمال أن يرسلهما الدكتور الظريف عبر الفاكس؛ للاطمئنان أكثر، فاتصلنا به، وفي المساء اتصل بنا المستشار الثقافي وأخبرنا بوصول الدعوة وضرورة حضورنا لمنحنا السمة المطلوبة.
وبعد حصولنا عليها حجزنا مقعدين على طيارة الخطوط القطرية؛ لتهبط في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، ومن ثم أخذنا القطارُ إلى الرباط حيث نزلنا في إقامة أحسن دار بحي أكدال. وفي صبيحة اليوم الثاني توجهنا إلى شعبة اللغة العربية بكلية الآداب للعلوم الإنسانية، للقاء الدكتور الظريف الذي رحب بنا كثيرا، وذكر قصة إرسال الدعوتين، وأنه طلب من أستاذ في الشعبة أن يرسلهما بالفاكس، فأرسلهما، وبعدها طلب أن يرسل غيرهما، فتوقف الجهاز، وجرب مرة أخرى، وثالثة، فلم ترسل أية ورقة، فتذكر أن الجهاز عاطل عن العمل، وقد تعجب من ذلك، فأخبرته بتوسلنا إلى الله تعالى بمقام السيدتين عليهما السلام، فتبسم مبتهجا بذلك. كان الدكتور الظريف سبيلنا إلى لقاء عميد الأدب الأندلسي العلامة ذ. محمد ابن شريفة، أو (عالم الأندلس) كما وصفه المستعرب الإسباني غارثيا غومس. فكان الموعد عصر يوم 20/1/2009م، لكننا تأخرنا عن الموعد قليلا؛ بسبب ذهابي إلى مكتبة بيع كتب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحدث مصنفات ابن شريفة وهو (ابن رشيق المرسي حياته وآثاره). وعندما وصلنا رمقت عينانا عالم الأندلس واقفا، وعند اقتربنا عانقنا عناقا حارا، واصطحبنا إلى غرفة الضيوف، وشرع بالسؤال عن أحوالنا، واستفسر عن تأخرنا، فما لبث أن أخرجت كتابه سببا لتأخرنا، فابتهج وطرزه بعبارة: (شكرا على إسعادي بشراء الكتاب وقرأته).

وهو عمل ضخم تكوَّن من (451) صحيفة من القطع الكبير، تآلف في ثلاثة فصول، أولها في سيرة ابن رشيق والثاني في إنتاجه الأدبي بالأندلس، والثالث في إنتاجه الأدبي بالمغرب، وقد ذيلها بثمانية من الملاحق، واستدراك.
تحدث العلامة ابن شريفة في غرة سفره الأندلسي هذا، قائلا: (ورد معظم هذا الانتاج ضمن مخطوط وحيد اشترينا نسخته المصورة من أحد الوراقين، واضفنا إليها نصوصا توجد في مصادر أخرى، وقد لقينا نصبا في إخراجها؛ بسبب ما في النسخة الخطية من تحريف كبير وتصحيف كثير، ورأينا أن ترتب النصوص ترتيبا زمنيا، وأن تمهد لها تمهيدا مناسبا، ونشرح بعض ألفاظها، ونخرج ما يمكن ما يمكن من شواهدها، ونعرف بالأعلام الواردة فيها، ونذيلها بملاحق وفهارس مفيدة). وأضاف قائلا: (تعتبر هذه السيرة حلقة من السلسة التي نقوم بإخراجها لبعض أعلام الأندلس والمغرب في القرنين السادس والسابع الهجريين، وهي تتميز بما تشتمل عليه من نصوص، تنشر لأول مرة، كما أنها تعتبر مادة جديدة ومفيدة للباحثين في تاريخ الأندلس والمغرب وآدابهما). لقد شرع هذا الكتاب بسيرة ابن رشيق المرسي (11_113)، ثم من الانتاج الادبي لابن رشيق بالأندلس (115_ 205)، وهو مناظرة بين ابن رشيق وقسيس، ومن أشعار الصبا، وجواب لابن رشيق على رسالة مكتوبة عن ابن الأبار، وقصيدة له إلى أبي بكر بن حبيش اللخمي المرسي، ورسالة إلى أديب من أدباء ألش، وشكر قاضي برجة، وبين ابن رشيق وابن شلطبور، وقد ضمن تلك الرسائل شيئا من شعر، وقصائد في مدح أبي الحسن علي بن نصر رئيس ألمرية، وحول قصيدتين لابن رشيق مزجت بنثره، مع أشعار وموشحات، ورقعة لغز موجهة من ابن رشيق إلى بعض السادة _ أبناء السلاطين الموحدين وخاصة قرابتهم_ ورسالة من ابن رشيق إلى صاحبه أبي الرضا، وقد تضمنت شعره كذلك، وتوديع صديق، وتهنئة صديق بخطة القضاء، ورثاء أمير مرسية ابي جعفر بن هود، ورثاء والده. بعدها (من الإنتاج الادبي لابن رشيق بالمغرب 209_ 302)، وفيها من شعره ونثره، ومنه ما قاله في الأسرة العزفية حكَّام سبتة، ومكاتباته مع أدباء رندة أمثال أبي الطيب الرندي، وأبي الربيع بن حبيب، وأبي عبد الله بن الحكيم، وإجازة منظومة لابن رشيق، وبين ابن رشيق وابن المرحل.
ثم أورد ثمانية ملاحق: (305_424). الأول: الذيل في حصر أنواع التعاليم المستعملة في مقولة الكم لابن رشيق، والثاني: نظم ابن شبرين لميزان العمل لابن رشيق. والثالث: المنهاج لا بن حجاج، والرابع: قصيدتان لابن شلطبور صاحب ابن رشيق في الأمير أبي سعيد بن فرج ولد الغالب بالله، والخامس: أشعار للقاضي أبي عبد الله بن بكر من أصحاب ابن رشيق، و السادس: شجرة العزفيين، والسابع: شجرة بني هود، والثامن: نماذج من المخطوطات المستعملة في الكتاب، وذيل كتابه باستدراك وفهارس خلت من فهارس المحتويات ومصادر الكتاب.
بعد ذلك جرى كلام مع عميد الأدب الأندلسي، تضمن موضوع أطروحتي الهاشميات في الشعر الأندلسي، فما لبث أن انطلق بحديث عريض عنها، ولاسيما ما يتعلق بشعر صفوان بن إدريس التجيبي، وقصته مع رثاء سيدنا الحسين عليه السلام، وهي قصة مشهورة، ذكرتها مصادر أندلسية رصينة، ومفادها أن صفوان: قصد حاضرة مرّاكش، وكانت له بعض الحوائج الملحة، فمدح أعيانها فلم يحفل منهم بطائل، فأقسم ألا يعود لمدح أحدهم، وقصر أمداحه على أهل البيت عليهم السلام، وأكثر من تأبين سيدنا الحسين عليه السلام، وكان وقتذاك سلطان كبير بالمغرب، هو يعقوب المنصور، وقد رأى في منامه النبي صلّى الله عليه وآله، يشفع فيه وسمّاه، فقام المنصور وسأل عنه، فعرف قصته، فأجزل له العطاء. ولم ينس أن يحدثنا عن حضوره مهرجان المربد الشعري في ثمانينات القرن الفارط، والتقاؤه بعدد من أدباء العراق وشعرائه، ومنهم الأستاذة الدكتورة هدى شوكت بهنام، وطلب أن أبلغ سلامي إليها، وربط ذلك كله بذكريات مع بدر شاكر السياب الذي كان يتعالج ببيروت وقد زاره بمرضه مع الأستاذ الدكتور إحسان عباس. ولفت نظرنا قوة ذاكرته، ودقة حديثه، ولاسيما في الأدب الأندلسي، ومن طريف ذلك ما حدثني به تلميذه الأستاذ الدكتور مصطفى الغديري، بما أكد إخلاصه واشتغاله المستمر بتراث الأندلس حتى صارت لغته و تحقيقاته أندلسية خالصة، قال: (كان رحمه الله تعالى عميدا لكلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة سنة 1981م، استدعاه والي وجدة حميد البخاري؛ ليلقي محاضرة عن عيد العرش بمناسبة تربع الملك الحسن الثاني على عرش للمملكة. وما كان منه إلا تلبية الدعوة، فبدأ يفكر في موضوع المناسبة، ولم يجد أمامه الا أن يختار موضوعا كان يشتغل فيه، وهو عبدالكريم القيسي البسطي؛ بمناسبة اكتشاف ديوانه الشعري بالخزانة الحسنية. فقيل له من قبل أساتذة بالكلية: هذا الموضوع لا يناسب عيد العرش. فقال: أنا لا احسن مثل هذه الموضوعات، وكنت اشتغل على ديوان الشاعر الأندلسي عبد الكريم القيسي، وما علي إلا أن ألقي محاضرتي عنه. وفي الثالث من مارس هيأ نفسه، وذهب إلى البلدية، ومن سوء الحظ أن نظارته سقطت في سلم درج العمادة، فتكسرت إحدى زجاجتيه، وذهب إلى المحاضرة بنظارة ذات زجاجة واحدة. ولما جلس على منصة المحاضرة، أخرج الديوان المخطوط، وشرع في إلقاء المحاضرة بالتعريف بعبد الكريم القيسي وبين كل آونة وأخرى، يضع نظارته ذات الزجاجة الواحدة؛ ليقرا مخطوط الديوان، ولم تمر أكثر من نصف ساعة حتى انسحب الوالي وجماعته من قاعة المحاضرة، على أنه نوع من عدم الرضا بموضوع المحاضرة، فشعر المحاضر بذلك، واستمر في محاضرته عن الشاعر الأندلسي. وفي الغد قدَّم طلب اعفائه من مسؤولية العمادة؛ لأن الرجل لا يحسن الخوض إلا في موضوعات تخصصه. وبالفعل قبل طلب اعفائه، فرجع إلى الرباط؛ ليستمر في تدريس الأدب الأندلسي في السلك العالي والإشراف على أطاريح في الأدب الأندلسي).
*ابن حريق البلنسي حياته وآثاره:
وهو أحد المصنفات المهمة التي أهدانيها عميد الأدب الأندلسي، جمع فيه ما بقي من آثار ابن حريق الأدبية، ويعد خطوة أولى ومهمة في التعريف به وبنتاجه، الذي تناثر في بطون المصادر، وهذا المصنف المهم انتظم في السلسلة الأدبية التي أخرجها العلامة ابن شريفة، معرفا بآثار عددا من أدباء الأندلس ممن انزوى ذكرهم بعيدا عن وجدان الباحثين إلى حد ما، وذكر في تمهيد الكتاب: (سأحاول في هذا العمل المتواضع تقديم دراسة حول واحد منهم مع نشر وتحقيق ما وقفت عليه من آثاره الشعرية والنثرية، وأعني بهذا الأديب العالم والنحوي اللغوي والشاعر الكاتب أبا الحسن علي ابن حريق البلنسي، وإذا كان هذا الاسم لم يعد اليوم معروفا إلا عند الخاصة أو خاصة الخاصة، فإنه كان في زمنه أشهر من نار على علم، وقد بلغ جهل بعض المتأخرين بهذا الأديب أنهم حرفوا اسمه، فكتب في بعض المخطوطات ابن شريق، وكتب في مخطوط آخر ابن خرنق).
بعد ذلك ابتدأ بالقسم الأول، وهو حياة ابن حريق (9_105)، ثم القسم الثاني آثار ابن حريق شعره (111_ 162)، واعتمد في جمع القسم الخاص بشعر ابن حريق عشرةَ مصادر أندلسية وخمسة مشرقية، ومؤلفه (تراجم مغربية، ومصادر أربعة مخطوطة ومنها “مخطوط مجهول” مرقوم بالخزانة الحسنية تحت رقم “4958”، وقع الاضطراب في محتواه وتداخل مع غيره، وانفصلت عنه أوراق، ومنها ورقة العنوان. ثم (نثره): الرسالة المفيدة والأملوحة السعيدة لابن حريق مع شرحها، وتتألف من 162 مقطعا، طعمها بشيْ من شعره وشعر غيره. بعدها أورد ستة ملاحق (255_ 298)، وهي: الأول: من المراسلات بين ابن حريق وأبي بحر التجيبي، والثاني: ديباجة شرح ابن حريق لرسالته، والثالث: ديباجة شرح أبي الحجاج البياسي، والرابع: نموذج من شرح ابن حريق لرسالته، والخامس: نموذج من شرح البياسي لرسالة ابن حريق، والسادس: للوحات المخطوطات المعتمدة في الكتاب. وقد استدركت على المجموع الشعري، ببحث (المستدرك على شعر ابن حريق البلنسي ت 622هـ)، في مجلة التربية جامعة واسط العدد 41 سنة 2020.

(إهداء العلامة ابن شريفة لكتاب ابن حريق البلنسي حياته وآثاره)
*أديب الأندلس أبو بحر التجيبي عمر قصير وعطاء غزير:
وهو من المصنفات الجليلة التي صنفها عميد الأدب الأندلسي، في ضمن منهجه السديد الذي حرص فيه على التعريف بأدباء أندلسيين، وبيان ما لم ينشر من آثارهم، ويعد مأثرة من مآثره البيض في الأدب الأندلسي، وقد نشره سنة 1999م.
والكتاب عظيم الفائدة لما احتواه من مادة أدبية جديدة، استخرجها من المخطوطات الأندلسية، فضلا عن الأسلوب العلمي الدقيق، الذي يحاصر المخطوطات والمادة العلمية بأسئلة مهمة، تستنطق ما بها من طاقة أدبية.
وقد شرعه بتصدير(5_6): القسم الأول من الكتاب الذي اختص بحياة صفوان، (7_90)، والقسم الثاني شعر صفوان (92_ 131)، فتذييلاته (المخمسات) (133_ 144). وقد كشف عميد الأدب الأندلسي أشعارا جديدة لصفوان، فأورد ما يقارب “774 بيتا”. فضلا عن “36” بيتا وردت في القسم النثري، وما تركه في زاد المسافر الذي ضمنه طيات كتابه، مما لم ينقله إلى القسم الشعري، ويبلغ عدده “29” بيتا. وتوزع القسم الشعري على أقسام ثلاث، وهي القصيدة العمودية وكانت حصتها “591 بيتا”، والمخمسات وكان عددها مخمستين شعريتين بلغ عدد أبياتها “102” بيتا مخمِّسا، مع المخمسة التي تنازعت نسبتها بين صفوان والجراوي وأبياتها “92” بيتا. كذلك تشطير مثلث أنصاف أبيات أمرئ القيس الكندي. والقسم الثالث، وقد تحدث عن رسائله في وصف رحلات (147_ 199). وقد ضمن رسالته في وصف رحلة قصيرة (نزهة):(عنوان التصريح عن الود الصريح وميزان التصحيح للعهد الصحيح). كتبها حين صدر من مدينته مرسية إلى مراكش سنة 586هـ. ورسالة الارتحال والتعريس، ثم رحلة أخرى ضاع أولها فاختلطت مع (الارتحال والتعريس)، ولم ينتبه لها الدارسون، فعمل على تمييزها عما سبقتها. والآخر(من رسائله الديوانية والإخوانية (200_ 273). وهي رسالة أنشاها إلى أذفونش على لسان عبد الرحمن بن يوسف سنة 584هـ، وأخرى في مخاطبة ذلك الأمير الموحدي استنطق بها مدن أندلسية، ومراجعة عن أحد الناس يستعطف الدنيا، ورسالة (شرك العقول ومسرح الأنس المعقول) سنة 582هـ، ورسالة الزند الواري في الرد على الناقد المتواري)، ورسالة في أصحابه الذين نوى السفر معهم إلى الحج قد أقلعوا، وغيرها من الإخوانيات، ورسالة في مرض أصابه، ووصف دابة سيئة، كذلك إلى إشبيلية، ومقامة أنشأها بقرطبة يمدح بها القاضي ابن رشد وبنيه، فخطبة أنشأها في النكاح. والقسم الرابع (من تآليفه “زاد المسافر وغرة محيا الأدب السافر”، أعاد نشره بعد نصف قرن على نشرة الاستاذ عبد القادر محداد (276_ 363). ثم الفهارس الفنية. وهذا العمل الجليل مما أهدانيه في ضمن مجموعة مؤلفاته القيمة، وطرز غرته بإهداء اختطته يده الكريمة العبارة الآتية: (إلى حبيبي وشريكي في محبة الأندلس ومعزة الأشراف الدكتور صفاء عبد الله برهان مع المحبة الصادقة). وعندما ذكرت له: لما أزال طالب دكتوراه، ابتسم قائلا: (معلش للتفاؤل).

(إهداء العلامة ابن شريفة يهدي لكتاب أديب الأندلس أبو بحر التجيبي)
كان حصة صفوان من هذه العناية واضحة، فقد صنف في أخباره وأشعاره وترسله، كتابا ضخما يقع في (415) صحيفة، ثمانية مصادر مطبوعة منها مشرقيان اثنان، وستة مصادر مخطوطة، فكان الجهد المتفرد للعلامة ابن شريفة، هو من قدم عملا جديدا وأصيلا للمكتبة الأندلسية؛ بحسب ما استخرجه من بطون المخطوطات الغميسة في خزانة كتبه الخاصة، كما خزائن المغرب الأقصى كالخزانة الحسنية وغيرها، فعرفنا رحمه الله تعالى بنصوص شعرية ونثرية جديدة، لم يكتشفها سواه من الباحثين في التراث الأندلسي. بلحاظ انتشار هذه النصوص الجديدة بين أيادي الباحثين بالمغرب والأقطار الأخرى منذ سنة 1999م. أما العراق فلم يتعرف عليها قبل سنة 2009م، بعد أن أدخله كاتب المقال، واعتمدتها في نتاجات منها:
1_ أطروحة الدكتوراه (الهاشميات في الشعر الأندلسي)، نوقشت بقسم اللغة العربية في كلية التربية ابن رشد بجامعة بغداد سنة 2010م.
2_ بحث (رزية الفراق في شعر صفوان بن إدريس التجيبي دراسة سوسو_نصية)، وقد نشر بمجلة الآداب بجامعة بغداد العدد 101 سنة 2012م.
3_ بحث (عتبات النص وظلالاتها في أدب الرسائل الأندلسية عنوان التصريح عن الود الصريح، وميزان التصحيح للعهد الصحيح لصفوان بن إدريس أنموذجـا)، نشر في مجلة الآداب العدد 119 سنة 2016م.
4_ كتاب (مراثي الإمام الحسين بن علي عليها السلام في العدوتين المغربية والأندلسية)، نشرته دائرة البحوث والدراسات في الوقف الشيعي سنة 2017م. واتخطر هنا أبيات أنشدهما الأستاذ الدكتور عبد الحسين طاهر، ذاكرا تلك الزيارة المباركة، التي كان من ثمرتها هذا المصنف الأدبي، ومنها: [الكامل]
لما سعـــــــــى نحــــــــــــو المراثــــــــي جامعا *** في المغـــــــــرب الأقصى و في أنحائـــــه
زار الأساتيــــــــــــــــذ المبـــارك علمهــــــــــــــم *** كابـــــــن الشــــــريفـــــــة منعمـــــــــا بلقائـــه
جمعت مــــــــــراثٍ لابـــــــــن بنت محمــــــــــد *** في العـــــــــــــدوتين فمرحـــــــــــبا برثائــــــــه
5_ رسالة ماجستير (ثقافة صفوان بن إدريس التجيبي في ضوء آثاره الأدبية). وقد أشرفت عليها، ونوقشت بقسم اللغة العربية بكلية العلوم الإسلامية سنة 2018م.
6_ بحث (صورة المدينة الأندلسية في رحلة الارتحال والتعريس). نشرته مجلة الذكوات البيض عند دائرة البحوث والدراسات الوقف االشيعي سنة 2021م.
7_ بحث (المستدرك على شعر صفوان بن إدريس التجيبي)، وقد أرسلته إلى مجلة تسليم بالعتبة العباسية المقدسة، وهو قيد النشر بإذن الله تعالى.
* أنساب الأ خبار وتذكرة الأخيار:
من المؤلفات التي أهدانيها عميد الأدب الأندلسي، نشرتها دار أبي رقراق بالرباط، سنة 2018م، تحدث عنها بأنها رحلة أندلسية متميزة لمسلم أندلسي(مدجن)، كان من الصعب في ذلك الزمان القديم أن يخرج أمثاله، فخرج من جهة شاطبة في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وقد كتبت بأسلوب فيها الكثير من العامي عمل على تهذيبها وإصلاح خللها، وعلق على حواشيها.
وزمن الرحلة جاء بعد رحلة ابن بطوطة بقليل، فوصف فيها مشاهداته في بلدان زارها كغرناطة وشمال أفريقية، والحجاز والشام وتركيا والعراق وفارس وما وراء النهر، وقد أكد عميد الأدب الأندلسي، قائلا: (تعبر الرحلة التي نقدمها إلى القراء رحلة متميزة، فقد ألفها مدجن أندلسي من أهل القرن الثامن الهجري وأول القرن التاسع، عاش زمنا بين المدجنين في شرق الأندلس، ثم خرج من بلاد المدجنين بنية الحج بمال حلال ورثه عن أبويه، كما يقول مع أن الفقهاء أفتوا بسقوط الحج عن المدجنين؛ لعدم الاستطاعة، وهذه أول مرة نجد فيها مدجنا أو مدجنين، يخرجون للحج، فقد ذكر هذا المدجن أسماء مدجنين صحبه، أحدهم في القاهرة ووجد آخرين في دمشق ورافقه بعضهم إلى المدينة وفي الطريق إلى الشام). وفعلا فإن هذه الرحلة من الرحلات المهمة، على الرغم من أن اللغة التي كتبت بها دون مستوى الرحلات الأندلسية المعروفة، ولكنها عرضت مشاهدا وأخبارا مهمة، وقد قدم لها ابن شريفة بدراسة رصينة (9_52)، ثم نص الرحلة (53_ 230)، وبعدها ملاحق: (نصوص لم تثبت في صلب الرحلة لخروجها عن السياق وما فيها من الخلط) (232_258)، ثم من أخطاء المخطوطة في اللغة والإملاء والأعلام والأماكن (261-264)، ثم (رسوم ولوحات من مخطوطة الرحلة 267_276)، فذيلها بالفهارس الفنية (279_310). والرحلة أبرزت ذلك الجهد الذي بذله ابن الصباح الشاطبي، وهو يتحرر من سطوة المحتل؛ ليؤدي فريضة الحج، وقد اعتمدتها في بحثي الموسوم: (الآخر في أدب الرحلات عند الأندلسيين المدجنين_ ابن الصباح الشاطبي أنموذجا_). نشر ضمن وقائع المؤتمر العلمي لكلية التربية بالجامعة المستنصرية 2012م.
*الأشراف والهاشميات:
بعدما سُردت قصة تلك الرحلة المتميزة، تداخلت معه عن اسمه (ابن شريفة)، وهل معنى تلك التسمية أن ذلك ينسب إلى الأشراف، فأجاب: (نعم)، وكانت أمه شريفة عابدة صالحة، نسبوا إليها لشهرتها، موضحا: (أن قضية الأشراف كبيرة جدا، فالمغرب بوصفه طرفا من أطراف العالم الإسلامي، كان يلجأ إليه الأشراف من الاضطهاد. فأنت تجد الشريف العراقي _ وهي أسرة شريفة مازالت تحتفظ بهذا الاسم بالمغرب وأصلها من مدينة كربلاء المقدسة_، ونحن الآن بالمغرب الأشراف ينقسمون إلى حسنيين وحسنيين، والحسنيون كثر معظمهم من نسل إدريس الأكبر؛ لأنه أقام دولة، وخلف أولادا عددهم كبير جدا، أما الحسينيون، فأتوا في مدد مختلفة، وهم أربعة شعب، منهم: الشعبة العراقية، والشعبة الصقلية، والشعبة الطاهرية. ثم استمر قائلا: ومن العراقيون صديق لنا في الأكاديمية، وهو الوزير الأول السابق عز الدين العراقي. ثم قال: وهذه الشعب الأربعة أغلبها تقيم بفاس، ومنها الشعبة الصقلية التي تقول الروايات: إنها جاءت عن طريق صقلية، ومنها حطوا بسبتة، ومنهم الأشراف السبتيون، رهط العالم المشهور الشريف السبتي، شارح مقصورة حازم القرطاجني، وانتقلوا منهم إلى فاس، وهناك أشراف حطوا بمدينة مراكش، وانتقلوا إلى جهات خارجها، يقال: والله أعلم في قبيلة دكالة توجد شعبة من الأشراف الصقليون بما بين المدينة الجديدة وآسفي، وهؤلاء ننسب إليهم، ولي جار صديق شاعر من شعراء المغرب الكبار، هو علي الصقلي، وله أخ ألف كتيب عن الأشراف الصقليين). ومما ينبغي ذكره أن الدكتورة عصمة عبد اللطيف دندش، أرمل العلامة ابن شريفة، صرحت بنسبه الشريف في ندوة تأبينية في ذكرى رحيله بوجدة، ولكنها ذكرت أنه حسني. بلحاظ خاص وهو أن الصقليين شعبتان، الأولى الصقليون العريضيون من ذرية السيد علي العريضي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، سكن أسلافهم جزيرة صقلية فنسبوا إليها، ولما خرجوا منها، استقروا بفاس، كما استقرت بها الشعبة الأخرى، التي تحدث عنها العلامة ابن شريفة، وهم الصقليون الطاهريون من ذرية السيد جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام، وقد هاجر جدهم طاهر من بغداد إلى صقلية، وهو ابن محمد بن طاهر بن جعفر المذكور، وترك ذرية انتقلت إلى سبتة، وسموا بالشرفاء السبتيين، وكانوا ذوب منزلة كبيرة عند ملوك المغرب والأندلس، ومنهم من انتقل إلى فاس، فمراكش، فمدينة آسفي، وكانوا فيهم العلماء والقضاة والنقباء والوجهاء. وقد ذكرهم ابن جزي الكلبي الغرناطي (ت 741هـ)، وولده أبو جعفر محمد (ت 758هـ)، وابن الخطيب الغرناطي (ت 776هـ)، والمقري التلمساني (ت 1042هـ)، وابن الحاج السلمي (ت 1273هـ). وغيرهم من أعلام النسابين والمؤرخين المعاصرين من المغاربة والأندلسيين، ويبدو أن عميد الأدب الأندلسي من هذه الشعبة الصقلية الطاهرية والله تعالى أعلم وأحكم.

( يمينا مع ذ. ابن شريفة سنة 2009م، يسارا ذ. علي الصقلي وابن شريفة سنة 2016م)
ثم أضاف العلامة ابن شريفة: (الظاهرة التي عاشها المغرب في تأريخه، هي أن الأشراف يحظون من الناس بما يكاد يكون تقديسا، يلتمسون منهم بركات ويحترمونهم، والدولة تحترم الأشراف وتمنح لهم ظهائر ملكية (فرمانات)، بالتوقير والاحترام والإعفاء من تكليف وأعمال الإلزامية التي تلزم غيرهم، كان عند أهلنا ظهير من أيام السلطان إسماعيل، مؤسس الدولة العلوية بمكناس، وهو عند أحد قرابتنا، كان يحتفظ به، ولهم نقيب لكل جماعة، والدولة الحاكمة علويون حسنيون، وعددهم كبير، والشاهد أن قضية الشرف لها أثر كبير بالمغرب).
بعدها وصل حديثه فذكر قضية الهاشميات، ووصفه، بقوله: (من أعظم أبواب الشعر المغربي والأندلسي، وهي مديح الرسول ومديح آل البيت، وهناك ما يدل على كثرته، أن ابن عذري وهو عالم مغربي من القرن السابع الهجري، ألف كتابا اسم (منتهى السول في مدح الرسول)، يقع في أكثر من 25 جزءا، يشمل تلك المدائح حتى القرن السابع، وأما بعده فكما يقول المثل: جرى الوادي فطم على القري)، وشعر الهاشميات هي تسمية من الكميت، وهي بطبيعة الحال تشمل الطالبيين، كما الأشراف بالأندلس؛ إذ كان هناك أشراف أدارسة لما كانت الدولة الأموية قوية، تغلبت على الأدارسة، ونقل معظمهم إلى الأندلس، لكنهم اعتنوا بهم، هؤلاء الذين نقلوا، فأدخلوا أولادهم بالجيش في آخر أيام الدولة الأموية، وكانوا بقرطبة ثم مالقة ثم سبتة، وهم الحموديون الذين ملكوا الأندلس بعد الأمويين، ومنهم الشريف الإدريسي الذي ذهب إلى روجار حاكم صقلية، وألف كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق).
* روضة الأنس ونزهة النفس:
وهذه المخطوطة تعرفت عليها عند مطالعتي لبحث العلامة ذ. عبد السلام الهراس (مأساة الحسين في الأدب الأندلسي)، وقد حدثت بها العلامة ابن شريفة؛ لما تحتويه من مادة شعرية تعنى بدراستي، فوعدني خيرا وضرب لي موعدا، وفعلا عدت له بعد أيام فما لبث أن أحضرها لي، وأوصاني بالحفاظ عليها؛ لأنها من المخطوطات النفيسة التي يعتز بها كثيرا، كما قال في رسالة كتبها لي. وما لبثت أن صورتها في اليوم نفسه، ثم أرجعتها في عشية ذلك اليوم لعلامة الأندلس بداره العامرة. وهو كتاب في المعارف العامة، يقع في عشرين بابا، والقطعة الموجودة احتوت بعد خطبة الكتاب، تسعة أبواب لم يكمل الأخير منها، وما تبقى منها، هو: الأول: العالم ومعالمه (3_ 19)، والثاني: في الأرض وما يتعلق بها من ذكر الأقاليم والبلاد والبحار والأنهار (19_41)، والثالث: في بدا البشر وافتراق الأمم وما يتعلق بذلك (41_ 95)، والرابع: في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (95_ 131)، و الخامس: في الخلفاء وأهل البيت رضوان الله عليهم (131_ 146)، والسادس في الدولة الأموية ولمع مما يتعلق (146_ 161)، والسابع: في الدولة العباسية وملوكها من أبي العباس السفاح إلى أبي العباس المستكفي (161_ 188)، والثامن: في أخبار أهل الردة والخوارج: (188_ 196)، والتاسع: في جمل من الفتوح وقد وقفت عند فتح الاسكندرية وكان آخر المخطوط (196_ 207). وكان لهذه المخطوطة أثر في كتابي (مراثي الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في العدوتين الأندلسية والمغربية)، وهذه صورة عنوانها عليها تملك مكتبة ابن غازي بمكناس للعلامة محمد عبد الهادي المنوني، الذي يظهر مع ذ. مصطفى الغديري سنة 1995م.


*درر السمط في خبر السبط:
وهذا المصنف النفيس، هو من تأليف ابن الأبار البلنسي، وهو ما هو عليه من المكانة العلمية والتأريخية الموشحة بأسلوب أدبي راقٍ، وقد قيض الله تعالى له العالمين المغربيين الجليلين ذ عبد السلام الهراس والشيخ سعيد أحمد أعرب، بعد أن أحرزا ثلاث نسخ مخطوطة من هذا الكتاب، وهي نسخة المكتبة الكتانية، ونسخة الأستاذ السايح، ونسخة المكتبة الوطنية بمدريد، واستعانوا بما أورده المقري التلمساني من فصول الدرر في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، بلحاظ أنهما ذكرا نسختين لم يقفا عليهما، أحداهما للسيد عامر غديرة بتونس، قدم عليها دراسة بالفرنسية لنيل دبلوم الدراسات العليا بباريس، وهي نسخة مغربية، والأخرى نسخة الشيخ المهدي البو عبدلي بالجزائر، وهي نسخة حديثة مصدرها فاس، كما أخبرهما هو بذلك. ولتخطر عندما تلفظت باسم هذا السفر الأندلسي باسمه ذهب إلى مكتبته، واحضر لي نسخة بتحقيق العلامة الهراس والشيخ سعيد أحمد أعراب، وهي نسخة نفيسة أهداها له المحقق. تقع في مقدمة كتبها المحققان (آ_خ) تناولا فيها التعريف بابن الأبار، ثم التشيع بالأندلس، ووصف الكتاب وتحليله، ونسخ الكتاب وعملهما في تحقيقه، ثم النص المحقق، اشتمل على أربعين فصلا (1_80)، ثم فهرس الموضوعات، فمصادر التحقيق، وتصويبات (81_90). وقد كتبت بحثين عنه: و(التشكيل البديعي في رسالة درر السمط في خبر السبط). نشرته مجلة الأستاذ بكلية التربية ابن رشد العدد 158 سنة 2011م، و(التناص القرآني في رسالة درر السمط في خبر السبط). نشرته مجلة المصباح بالعتبة الحسينية العدد 15 سنة 2013 م.

(العلامتان ذ. عبد السلام الهراس والشيخ سعيد أحمد أعراب محققا درر السمط في خبر السبط)
*ابن لبال الشريشي ” 508_582هـ/ 1114_1187م”
وهو من التصانيف المهمة التي سطرتها يراع عميد الأدب الأندلسي، ولم أتمكن من الحصول عليه في تلك السفرة العلمية، لكن كان لزميلي الذي اعقبني بالسفر إلى المغرب الأقصى طالب الدكتوراه أوراس عبد الحسين عبد الله، أن يبتاعه لي من مكتبة دار الأمان الكائنة في زنقة المأمونية بالرباط، فله مني جزيل الشكر على فعله النبيل هذا. والكتاب يقع في 151 صحيفة، من القطع الكبير، نشرته مطبعة النجاح الجديدة سنة 1996م. لقد قسم عميد الأدب الأندلسي مصنفه هذا إلى تقديم (5_ 7)، وأفصل ثلاث (7-77)، وستة ملاحق(77_133). و ذكر في تقديمه: (كنت نشرت في كتابي (أبو تمام وابو الطيب في أدب المغاربة) رسالة في النقد الأدبي لابن لبال الشريشي مع التعريف به، وإيراد لمجموعة من شعره، ثم إني وقفت بعد ذلك على مادة جديدة حول حياة هذا الأديب، ووجدت كذلك طائفة أخرى من أشعاره، وقد بدا لي أن القسم الخاص بابن لبال هذا في كتابي المذكور، يستحق بفضل المعطيات الجديدة أن يكون كتابا مستقلا، ويصبح سيرة مخصصة لهذا العالم الجليل، لاسيما أن الطبعة القليلة من الكتاب صدرت قبل عشر سنوات ينبغي أن تكون قد نفذت، ثم إنه من حق ابن لبال وامثاله من الأعلام غير المدروسين حتى الآن أن تفرد سيرهم، وتبسط أخبارهم، وتنشر آثارهم، كلما تيسرت المواد واسعفت الوسائل). بلحاظ أن أغلب ما وجده من مادة مهمة، كان في مخطوط (كنز الكتاب ومنتخب الآداب) لأبي العباس البونسي (ت651هــــ)، كان لها كبير الأثر في صدور الكتاب، بلحاظ أن مخطوط البونسي، قد حققته السيدة حياة قارة، ونالت به أطروحة دكتوراه دولة، بكلية الآداب بجامعة فاس، وهو من مكتشفات الأستاذ الدكتور محمد مفتاح الخمسي الإدريسي التطواني، رحمه الله تعالى.
واستمر عميد الأدب الأندلسي بالحديث عن هذا المصنف، مبينا الفصول الثلاثة التي خرج منها سيرته وما بقي من أدبه، وأن الفصل الأول يدور بشأن مدينة شريش، وهو من طليعة أعلامها، وبين أنه لم يبلغ منزلته أحد من الشريشيين في حياته وبعد مماته، وتتبع أخبار المدينة في عهودها الإسلامية حتى عهد الموحدين.
ثم انتقل في الفصل الثاني للحديث عن حياة ابن لبال، فجمع اسمه وشهرته، ومولده فنشأته وتعليمه على مشيخة عصره، وما عمل به من الأعمال، وأخدانه وتلاميذه، وبيان ملامح من شخصيته، ومكانته في بلده ومجتمعه. وجاء الفصل الثالث ليتكلم به عميد الأدب الأندلسي عن الآثار التي وصلت إلينا لهذا الأديب الكبير، ومنه رسائله الإخوانية التي تنشر للمرة الأولى، وشرح مقامات الحريري وهو مفقود، ولم يذكر إلا اسمه، ولم يرد في مصنف ابن شريفة، مؤكدا أنه أول شرح للمقامات في الأندلس. كذلك أورد من آثار ابن لبال الشريشي، كتاب (المحكم في حروف المعجم) ولا يعرف منه إلا الاسم، واكد أنه لم يصل إلينا من آثار ابن لبال النثرية إلا رسالته النقدية (روضة الأديب في التفضيل بين المتنبي وحبيب). وحظي هذا الفصل كلام حول بما تبقى من شعر ابن لبال الشريشي. (بعد ذلك ذيل ابن شريفة عمله بملاحق ستة، وهي: الأول: ما بقي من شعر ابن لبال الشريشي. والثاني: رسالة (روضة الأديب في التفضيل بين المتنبي وحبيب)، والثالث: ترجمة ابن لبال آخر. والرابع: بكار الأموي وشبه ابن لبال به، والخامس: أيوب بن سليمان السهيلي ومتاعب النسب الأموي، والسادس: الفهارس الفنية. وقد انتفعت به في بحثي:(جمالية التلقّي في شعر ابن لُبال الشُرَيْشِي في ضوء عنصري المتوقع واللامتوقع). نشرته مجلة البحوث والدراسات الاسلامية, ديوان الوقف السني العدد 38 سنة 2014م.
*الفتح الأكبر:
وهي المسرحية الشعرية الثانية نظمها المرحوم الأستاذ علي الصقلي، رحمه الله تعالى، بعد مسرحيته (المعركة الكبرى)، وهذه تتحدث عن أخبار فتح الأندلس، نشرتها مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، و كان للعلامة ابن شريفة أن يقدم لها، وقد رأى فيها أول مسرحية شعرية، تعالج احداث فتح الأندلس، والرأي كما قال.
لقد أثنى كثيرا في تلك المقدمة على عمل الشاعر علي الصقلي، لما أقامه على أساس الرواية التاريخية، وأثر يوليان حاكم سبتة في ذلك الفتح، وأخبار الصراع بين حزب أخييلا، صاحب الحق الشرعي في عرش القوط، وحزب لذريق الغاصب لذلك العرش، والصراع الذي نشب بين موسى وطارق، وخلص إلى القول: (نستطيع القول دون أدنى مبالغة، بأن رواية الفتح الأكبر تتميز بكونها تجمع بين مطالب العمل الفني، والمحافظة على المضمون التاريخي، فهي تستمد صلب مادتها من صميم الروايات، الواردة في الحوليات، والأخبار المروية في المدونات، ولكن مع إعمال الحيل، وافتعل الحبكة، واستعمال الأدوات التي تقتضيها طبيعة الأعمال الفنية)، وهذه المسرحية تقع في فصول أربعة، احتضن الفصل الاول تسعة مشاهد (11_62)، والفصل الثاني تسعة مشاهد (63_ 125)، والفصل الثالث ستة مشاهد (127_172)، والفصل الرابع في ستة مشاهد (173_229).
*سكينة بنت الشهيد:
وهي رواية شعرية أهداها العلامة ابن شريفة لصاحب المقال وللدكتور الشويلي، نظمها أيضا الأستاذ علي الصقلي، بعد روايته الأميرة زينب، وأشار إلى أثر بعض أصدقائه في نظمها، ذكر في المقدمة: (تفضل الوزير الأول عز الدين العراقي، وهو يتقبل مني روايتي الشعرية الأخيرة الأميرة زينب، فاقترح علي إحياء ذكرى سكينة “عمتنا”، والكلمة له_ بكتابة رواية شعرية حولها، على غرار فعلت في الأميرة “زينب”. وبالطبع صادف الاقتراح هوى متلجلجا في نفسي، كأحد أشد المعجبين بالهاشمية الحسناء. ومن ذا لا تحركه حياة سكينة اضطرابا وصراعا، ودعة متاعا؟ ومن ذا الذي لا تأخذه بمجامع قلبه قصتها في الحالتين، أسى داهما، أو فرحا عارما؟ شكرا للأخ الدكتور عز الدين العراقي على اقتراحه الذي آمل أن أكون قد لبيته، من خلال هذه الرواية، بما يرضيه، ويرضي عمتنا في دار النعيم).
لقد صرّح الأستاذ الصقلي بذكر منطق العترة الطاهرة، ولاسيما سيدنا الإمام الحسين عليه السلام في معركة الطف الخالدة، ولم ير حرجا في تعيير خصومهم، بل رآه موقفا عقديا مسؤولا، كما قال في المقدمة: (آثرت الرواية أن تميل كل الميل إلى أنه منطق الحسين وآله في الأحداث التي تناولتها، فبألسنة هؤلاء عبرت، بل وعيرت حين اقتضى الأمر ذلك، ولا حرج، طالما أن التعبير إنما جاء على ألسنتهم هم في تلك الظروف، شأن متعاصرين في حالة حرب، لا حجم أي منهم قذف الآخر واتهامه، بما يرى سلاحا من أسلحة المعركة). فرأى في ذلك وفاءً لمواقف العترة الطاهرة، بما قدمته للإسلام من تضحيات حفظته من الانحراف، وهو ما يكشف عن موقف رصين، روى تلك الأحداث بحس الشاعر المسؤول، فقال: (ومن باب الوفاء تأريخيا، لشهداء كربلاء، اجتهدت الرواية، ما أمكن، في أن تنقل بأمانة ما أثر عنه من أقوال كمت هي، لاسيما في المواقف الخطيرة؛ إذ إنها أقوال أشد ما تكون تعبيرا عن رباطة الجأش، وصلابة الرأي، وسلامة المنطق، وقوة العقيدة، ورسوخ اليقين، والتمسك بالحق المبين). وأخيرا طرز العلامة ابن شريفة السفرين بإهدائه، كما سطر على الرواية (هدية متواضعة إلى الأخوين القادمين من بلد الطف وكربلاء والعتبات المقدسة الأستاذ عبد المنعم والأستاذ صفاء رعاهما الله مع أطيب تمنياتي).

*في الدار البيضاء:
كان للقاء بعميد الأدب الأندلسي أن يتجدد مرة أخرى، هذه المرة بالدار البيضاء شتاء سنة 2009م. وفي ندوة نظمت هناك، كانت الدكتورة زهور كرام قد نبهتني وزميلي الشويلي منذ زمن إلى أنها ستعقد في الزمن والمكان المذكورين، وقد تعنونت تلك الندوة باسم (نحو مقاربات جديدة لدراسة الأدب الأندلسي)، برعاية بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء.
وقد شارك في هذا اللقاء العلمي المتميز أساتذة من داخل المغرب وخارجه، وهم من المغرب، ومنهم عميد الأدب الأندلسي ذ. محمد ابن شريفة، والأستاذ الدكتورة فاطمة طحطح، والدكتورة نعيمة مني، والأستاذ أحمد بوغلا من جامعة الرباط. والدكتورة نادية العشيري من جامعة مكناس. كما شارك من إسبانيا الدكتور فيديريكو كوريينتي من جامعة سرقسطة، والدكتورة ماريا أركاس كامبوين والدكتورة ماربياس أكيار من جامعة لا لغونا تنيريفي، والدكتور أليكس إلينسون من جامعة نيويورك. وقتذاك أشارت الدكتورة طحطح إلينا، بقولها: (هؤلاء من الذين يضربون أكباد الإبل)، كناية عن قطع المسافات الشاسعة في طلب العلم. وبعدها دار حديث مع الجميع، واختصصت بعميد الأدب الأندلسي، وقد استفسرت منه عن المخمسة المتنازع نسبتها بني صفوان والجراوي، فقال: (أنه لم يقطع بنسبة المخمسة لصفوان بنحو حتمي، وأنه اعتمد ما وجده في كتاب أبي البقاء الرندي، علاوة على شهرة صفوان بالمراثي، ووجهني إلى البحث في المسألة؛ بحسب صلتها بموضوع بحثي في الدكتوراه، وهو الهاشميات في الشعر الأندلسي). وقتذاك كانت النفس تميل إلى رأي عميد الأدب الأندلسي، فذهبت إلى ترجيحه في هذا التنازع إلى وقت اكتشاف مخطوط اختيارات الرعيني، الذي حسم الأمر للجراوي؛ فقد ذكر الدكتور البشير التهالي وصديقه الدكتور رشيد كناني في كتابهما المستدرك على شعر أبي العباس الجراوي: (أنها للجراوي؛ حيث إن صاحب المخطوط معاصر للشاعرين معا، بل في المخطوط ما يدل على صلته الشخصية بأبي بحر، فلم ينسبها له، مع أنه اختار للشاعرين معا). وبلحاظ عام فثمة مصادر أخرى أهدانيها عميد الأدب الأندلسي، من مصنفاته الشخصية _ كما مصنفات الآخرين_، وعليها توقيعه الكريم، فضلا عما حصلت عليه بالمغرب الأقصى من آثار أندلسية، اكتفيت بذكر ما سلف بيانه، وقد تجاوزت في عدد صفحات المقال، تفضلا من زميلي المفضال الأستاذ الدكتور محمود شاكر محمود، الذي قدح الفكرة الأندلسية هذه، ونحن في انتظار استثمار ما فيها من مادة أدبية متميزة، تؤسس لأبحاث أدبية أندلسية، ومنها ما يعين على تصنيف كتب إن قدر الله تعالى ذلك، وفسح في الأجل؛ لتحقيق رغبة مزمنة في إحياء لمعالم من التراث الأدبي الأندلسي، فشكرا لعميده على كرمه المعرفي الأصيل.
*ختام:
كان يوم 22/ تشرين الثاني / سنة 2018م، هو آخر أيام عميد الأدب الأندلسي العلامة ذ. محمد ابن شريفة في هذه الدار الفانية، فنزل الخبر صاعقة على الباحثين في الأدب الأندلسي، ومنهم كاتب المقال؛ لينتقل إلى جوار ربّه الكريم، ويوارى جثمانه الطاهر بمقبرة الشهداء بالرباط، بعد مسيرة أندلسية حافلة امتدت حتى أيامه الأخيرة، كما يتبين من الصورة التي بعثها لي مشكورا ولده الأستاذ يحيى ابن شريفة، وهي قبل وفاته بأربعة أيام، وهو يراجع كتاب (أبو محمد صالح الماجري.. حياته وآثاره)، الذي لم يمهله الأجل لإكماله، وقد كُتب بيتان على قبره، كانا كتبا على قبر الحاجب ابن أبي عامر، ذكر لي ولده أن والدته، هي من اختارت البيتين، وحورت فيعجز البيت الثاني الذي هو في الأصل: ولا يحمي الثغور سواه. وقد عبرا صدقا عن منجز عميد الأدب الأندلسي، الذي أبقاه حيا في ذاكرة الأندلس، ووجدان الباحثين في ذلك الفردوس المفقود، وهما: [الكامل]
آثـــــــــــــاره تنبيــــــــــك عـــــــــــن أخبــــــــــــاره *** حتــــــــــــــى كأنك بالعيــــــــــــــــــان تــــــــــراه
تا الله لا يأتـــــــــــــي الزمان بمثـــــــــــلـــــــــه *** أبــــــــدا و لا يرقى للعــــــــــــــلا ســـــــــــــواه

وصدق أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهو يخاطب كميل النخعي، رحمه الله تعالى: (يا كميل هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة). وهكذا هو عميد الأدب الأندلسي، باقٍ وسيبقى ما بقيت آثاره الأندلسية التي أنست من كان قبله، وأتعبت من جاء بعده.