كتاب جديد

صدرَ – مؤخراً – كتابان عن دار خطوط وظلال في عمان – الأردن – للكاتب العراقي أسامة غالي، الأول: (الحلاج سيرة أخرى – دراسة وتحقيق)، ويحوي الكتاب مخطوطين يتصلان بسيرة الحلاج، المخطوط الأول ينشر لأول مرة في السيرة الشعبية للحلاج، والمخطوط الثاني سيرة الحلاج من كتاب العبر للذهبي، مع دراسة في سيرة الحلاج ولحظته الثقافية، وقد جاء فيها:

((لا غرو أنّ الحلاج بلغ شأواً عظيماً في الثقافة الإسلامية، بل في الثقافة العالمة، وقد تعاورَ المؤرخون والدارسون والباحثون، قديماً وحديثاً، العناية به، وكان الباعثُ عندهم هو «الثيوصوفيا» التي استعادَ الحلاجُ وهجَها، ووسعَ أفقها، فضلاً عن سيرته المَلأى بالحوادِث والمفارقات، وشخصيته ذات النزعة التحررية، ومآله الغرائبي.

كلّ هذا، وأشياء أخرى، كرسَت العنايةَ بالحلاجِ، حتّى لا تكاد مدوّنة تاريخيّة تخلو من ذكره، وما صارَ إليه، ثُمَّ تمادت العنايةُ إلى الثقافةِ الشعبيّة الشفاهيّة، فقصدَ العامةُ تداولَ ما قرّ في المدوّنة التاريخيّة، حتّى بلغَ الحلاجُ الشيعوعةَ، وكانت النتيجةُ أن يتداخل الواقعي بالمتخيل، وأنْ تتناوب في السير شخصيتان، الأولى الحلاج الفارسي الأصل، والحلاج البغدادي، وأن تدّون في ما بعد سيرة أخرى.

يمكن القول: إنّ ما توافر من سيرِ الحلاج الشعبية، ما هي إلاّ تدوين لشفاهيٍّ قامَ على أصلٍ في المدوّنة التاريخيّة القُدمى وتمادّ عنها، غير أنّ هذا الشفاهي قد وضعَ نسقاً مغايراً، ولغةً ثانيةً، وحمولات ثقافية ومعرفية، تنتمي إلى عصرٍ مختلف.))

أمّا الكتاب الآخر؛ فعنوانه: (التصوّف من العرفانية إلى الأيديولوجيا. دراسة في النشأة والتحولات والأثر) وتضمن الكتاب دراسة في نشأة التصوّف في ضوء رؤية مختلفة مدارها التفرقة بين الزهد والتصوف، وتوثيق لحظة التدوين الصوفي الأولى، مع مناقشة لآراء غير مستشرق في نشأة التصوف الإسلامي، ولا يعدم في الدراسة معاينة التحولات التاريخية والثقافية والمعرفيّة للتصوف، إضافة إلى دراسة الأثر الصوفي، لا سيما تجربة محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي في ضوء دراسة مقارنة، ومما جاء في الدراسة:

((يُعد الخطابُ الصوفيّ خطاباً مفارقاً في الثقافةِ الإسلاميّة، وقد شكّلَ حضوراً واسعاً في الثقافات العالميّة، لاسيما مع انبعاث الدراسات الاستشراقيّة التي عُنيت بالتصوّفِ عنايةً بالغةً ـ تحقيقاً وترجمةً ودراسةً ـ وكانت تدفع بالباحثين إلى متابعةِ النشأة والتحولات، وتلمّسِ الصلة بالخطابات الدينيّة والمعرفيّة المجاورة، والكشفِ عن مدى التأثر والتأثير، من ثمَّ لاحقت التماثل والتمايز.

ولقد أثارَ الخطابُ الصوفيّ ـ ومن زمنٍ مبكرٍ ـ مشكلات عدّة: منها ما يتصلُ بحمولاته الرؤيويّة والفكريّة التي تجاوزت السائد والقار في الثقافة الإسلاميّة. ومنها ما يتصلُ بمرجعياته المعرفيّة، وصلاته بحاضنات أخرى كاليونانيّة، والهنديّة والفارسيّة القدمتين. ومن المشكلات أيضاً ما يتصل بلغته الرامزة والمشفرة، وكانت هذه المشكلات تستفز، ثم تحرض الآخر ـ غير الصوفيّ ـ على المتابعةِ والاستجابة، سواء أكانت الاستجابة تفاعلية أم نقدية.

أياً يكن الأمر، فإنّ الخطاب الصوفيّ بقي في تحولٍ، وكانت النتيجةُ أن تتوسعَ الدراساتُ فيه، حتّى دخلَ حقل اشتغال النقد الأدبي، ومجال الدراسات اللغويّة الحديثة (الأسلوبية واللسانيّة)؛ بحثاً عمّا يميزُ لغته وأساليبه، إلاّ أنّ هذه الاشتغالات اكتفت بإيضاح ما يميز الخطاب في ضوءِ البنية اللغوية، و بمعزلٍ عن البنية المعرفيّة العميقة التي تُعد مصدر تميز الخطاب الصوفيّ ومدار تفرده. ولهذا تحاولُ الدراسةُ أن تناقشَ هذه المشكلات، وتقف على البنية المعرفيّة العميقة.))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top
آخر الأخبار